السبت، 3 يونيو 2017

خواطر ميتة لقلب ميت ... !!

ليس لديّ الكثير لأقوله سوى لشخصين :
طارق : انا متأسف كتير عالغياب ... بس أنا متت .. كل شي فيني مات ... كل عام وانت بخير حبيبي ورمضان كريم ...
سارة : ان كنت مازلت تقرأين ... انتي من الناس الي ما بغيبوا عن بالي ابداً ...
للأخرين : fuck off !


*****************************************************
خاطرة رقم (1) : ندم موصوم بالكذب ...

دقات قلبها تتعدى المائة بعد الالف ... تمشي بهرولة .. تقدم قدماً وتؤخر أخرى ...
تفكر في لحظات قصيرة في مكياجها .. هل خففته بحيث تبدو ما تزال منكسرة ؟ وهل وضعت بما فيه الكفاية بحيث تبدو جميلة براقة ؟
شعرها ... هل سرحته بعناية فائقة ليبدو منسدلاً منساباً كما ماء الشتاء على النوافذ ؟
هاي هي تقترب .. نظرت الى سيارته .. نفس السيارة التي شاركته ثمنها قبل أن يغادر ... ثانيتان ونصف بقيت قبل ان تفتح مقبض الباب ...
واحد ... اثنان ... نصف ... فتحت الباب ... ادخلت بقايا جثنها وتلعثمت كلماتها ونظراتها ...
نظرت الى عينيه ... نظر الى عينيها ... في لمحة خاطفة تتعدى اعشار الثانية رأت شعره المصبوغ باللون الاسود ... وكأنه أبى إلا ان يخبرها انه لم يعد يكترث وهي التي منعته من قبل من أن يصبغ شعره ...
- كيفك ؟ شو أخبارك ؟ متل عادتك لسا بتجنني ...
 أدار محرك السيارة ولم ينتظر منها اجابة ... هي سعدت بذلك الإطراء القصير الغبي ...
- أنا منيحة ... بسراحة ممتازة ..... الحمدلله أنا كويسة ...
-  في أغنية كل ما اسمعها بتذكرك ... بدي أسمعك اياها ... 
أدار مسجل السيارة بصوت عال وبدأت الأغنية تصدح ...

" افترقنا وابتديت ألوم في روحي واقول ياريت
كل يوم بيعدي أصعب والفراق أصعب وأصعب
كل يوم على نفسي بصعب إن انا سبته ونهيت
ياريتني قبل ما قولتها أنا كنت مُتّ ف وقتها
أو حتى كنت حسبتها اديني جيت ابعد نسيت
اديني جربت اني اهدّ، اديني بتعذب بجد
ومن عذاب لعذاب أشد، وبالأمانة أنا انتهيت
ايه جرالي يومها ايه؟ كنت ظالم قاسي ليه؟
ألف ليه وازاي خسرته، ليه جرحته وليه كسرته؟
بعد ما شوِّهت صورته النهاردة هموت عليه
ياريتني قبل ما قولتها أنا كنت مُتّ ف وقتها
أو حتى كنت حسبتها اديني جيت ابعد نسيت
اديني جربت اني اهدّ، اديني بتعذب بجد
ومن عذاب لعذاب أشد، وبالأمانة أنا انتهيت"
قالت له : انت الي بعدت ... انا ما تركتك وضليت متمسكة فيك برغم كل الاهانة والخيانات والضرب ... قعدت معك سنتين وبالاخر قلتلي بدك تخطب وحدة تانية .. بدك تتجوز .. بدك تعيش حياة طبيعية ... اخدت مني كل اشي وما تركلتلي أي شي ...
سمعت كلماتها في عقلها ... قلبها كان يحثها على أن تقول المزيد ... عقلها سمع الذل المبالغ فيه في كلماتها ... وفي لحظة حرب قصيرة بين عقلها وقلبها قالت له مكملة : انت بتقصد كلمات الاغنية ؟ انت ندمان ؟
رد عليها : انا عارف ان انا غلطت بس شو بدي أعمل امي هي السبب ... هي ما بدها اياكي ... أنا وإنتي حلم كان مستحيل يتحقق .. أنا بعترف ان أنا نذل ... أنا مش مصدق كيف انتي قبلتي بعد اخر مكالمة انك ترجعي تكوني بحياتي مع اني بدي أخطب وحدة تانية !! مش متخيلة قديه أنا مبسوط بقرارك ...
وبينما كان يروي كيف أنه حاول مع أمه بشتى الطرق ... رنّ هاتفه ...
 أمسك الهاتف بيده  ... إختلست هي نظرة الى الإسم الظاهر على الشاشة .. نظرت بعينين مغرورقة بالدموع بعد أن قرأت عليها اسم  " حبيبتي " ثم نظرت إليه ببلاهة المخدوعة ... تقطع قلبها الف قطعة جديدة غير الألف القديمة ... تمزق في أركانه واوصاله ... لهث حتى مات ..
أما هو فأوقف سيارته وقال لها عن اذنك .. لازم آخد المكالة ... شوي وبرجع ...
ترجل من السيارة .. وجلس في الخارج يتحدث مع حبيبته الجديدة .. خطيبته التي اختارتها امه ... المرأة التي أخذت مكانها ...
مازالت الاغنية التي أهداها إياها منذ أقل من ثلاث دقائق تصدح ... هو في الخارج بحادث حبيبته الجديدة ...  يبتسم .. يضحك ... يخفض صوته وكأنه يغازلها في الهاتف ...
هي في الداخل تنظر اليه ودموعها تنهار .. لا تصدق أنه يكلم اخرى بالعلن  .. لا تصدق أنها وقعت في نفس الخطأ مرة اخرى ... لا تصدق أنها قبلت بهذه المسرحية السخيفة وبهذا الذل لتبقى معه ... لتراه ... لتحتويه بينما هو يلفظ في وجهها لحظات يسترقها من حبيبة جديدة ...
لا تصدق أنها خرجت معه بعد كل ما حدث ... لا تصدق كيف انها استلمت له بعد شهرين من الانقطاع ... شهرين من العذاب ... من الدراما ... من البكاء ...
شهرين كانت قد بدأت تلملم فيها اشتاتها وتدفن الكثير من ركام القهوة وبقايا السجائر في جروح قلبها ...
ترجلت هي الأخرى من سيارته .. دموعها على خديها اخفتها عنه بمرارة ... مكياجها الذي وضعته بعناية قد سال مع دموعها حتى بدت كــ ( زومبي) ...
ضاع حلمها ببداية جديدة معه ... تماما كما ضاع حبها وقلبها من قبل ... 
هو نظر اليها واشار بيده اشارة بمعنى " إلى أين " ... لم يكلف نفسه عناء اقفال الهاتف ليلحق بها .... وهي لوحت له بيدها وكانها تقول له : روح حل عني ...
أقسمت بعدها أن لا تحب ... أقسمت ومشت بينما كان المطر في الخارج غزيراً يسيل على شعرها الذي انتفخ ولم يعد منسدلاً مرتباً كما كان ... جرجرت ورائها أذيال الهزيمة ... قررت أن تبيع نفسها لأول رجل يخبرها كم هي جميلة وكم هي مميزة ....

 ******************************************************************
خاطرة رقم ( 2 ) : هناك موت يدركك وأنت حيّ ...
في سنة 2009 رأى لأول مرة في حياته رجل ميت للتو .. رجل توقف قليه بين يديه ويدي معلميه بعد أن حاول الجميع انعاش قلبه البالي ...
أقفل الأطباء باب الغرفة باحكام شديد ...
في الخارج يسمع هو بكاء اهل المتوفى ونحيبهم على قريبهم .. يسمع نشيجهم وأناتهم ...
أما معلميه من الأطباء في نفس الغرفة صمت لبرهة ثم قالوا له بصوت شديد الانخفاض قريب الى الهمس : هلأ اجا الوقت الي لازم تتعلم فيه كيف تركب endotracheal tube ... انت شفت فيديوهات كتير عالموضع وصار لازم تعمل بايدك ... ما في فرصة احسن من هاي .. اليوم يوم سعدك ... مريض freshly dead ... ما رح تلاقي احسن من هيك فرصة .. بس لازم تنتبه انك ما تكسر سنان الجثة مشان اهله ما يحسو بشي ...
هو لا يصدق بشاعة الموقف لكن كطبيب مستقبلي يجب عليه ان يفعل ذلك بدون تردد حتى يرضي اساتذته ومعلميه ...
أدخل الانبوب بالقصبة الهوائية مستعيناً بمنظار الحنجرة ... أدخله وكأنه طبيب خبير فعل ذلك آلاف المرات مع انها كانت مرته الأولى ...
صفقّ الأطباء بصوت خفيف ..ابدوا اعرجابهم بقدراته وقالوا : انت ايدك موهوبة بالفطرة ... انت انخلقت مشان تكون دكتور !!
عندما رجع الى بيته بكى بمرارة .. بكى وهو يتذكر ذلك الانسان الذي مات والذي كان اليوم حقلاً للتجارب ... لم يحترموا بعد سخونة جسده الميت لتوه !
بكى وانتحب وهو يتخيل كيف أن هذا الانسان كان أباً وأخاً وزوجاً لاحدهم ...
اليوم بعد ثمان سنين ... اصبح هو بدوره طبيب متخرج ... غير تخصصه قبل سنة من جراحة القلب الى جراحة الدماغ والاعصاب بعد أن ارهقته القلوب التي نفقت في مناوباته المتعدده بالرغم من جهده الشديد لانعاشها ..
تستدعيه الممرضات بشكل شبه يومي ليجري الفحص السريري على أشخاص ماتوا للتو ليتأكد ان كانت قلوبهم وأدمغتهم قد لفظت فعلا ما بها من حياة أو ان كان ما زال هناك بصيص أمل !
يتفقد علامات الموت بسرعة ... بدون أن يبكي .. بدون أن يتأثر ... بدون أن يحس ... بدون أن يشعر ... كأنه يتعامل مع دمية !
يتسائل اليوم بعد ثلاث علاقات حب فاشلة اماتت قلبه وازهقت شعوره ... يتسائل بعد ما دفن والده ... يتسائل بعد غربة دامت ثلاث عشرة سنة ... في أي سنة منها مات قلبه ؟؟!!